الأحد، 30 أغسطس 2009


رسالة مريضة نفسياً لطبيب نفسي 3




بعد التحية



أحيانا ..، يضعك القدر في عدة مفارقات سخيفة ، تشعرك بأنك فأر ملفوف حول كره الخيط والقط مستمتع بالنظر لك تارة والتسلي بشقلبتك تارة أخري ، أنت تحاول التملص من بين سخافاتك .. هي مفارقة في النهاية – قد – تُخرج نفسك او يخرجك القدر ذاته .. أنما هي مفارقه
أما أن تكون حياتك مفارقة كبيرة سخيفة تكن أنت فأر تجارب لمجموعة بشعة لا محدودة من المسوخ البشرية
أعذرني سيدي لتشبيهاتي ولكنها عقدة !

عقدة تشعبت أمراضها وطفحت علي مجتمع ...... لا أجد له وصف !
تعلم سيدي؟ هناك لزّمة لا أستطيع التخلص منها وهي كلمة " البداية " دائما ما تتوارد أفكاري في المستهل أن اكتب " في البداية " فالبداية دائما عندي مغرقه بالحكاوي المرضية ، هي بدايات مشوهه تسير في أزقة غير ممهدة مظلمة وتتوه معها فلا تجد أبدا علامات إرشاد ..

وبدون بدايات أنا يا سيدي كائن فضائي وجد بين البشر ظلماً ، كائن فضائي يطلق عليه لقب مخجل " سمين " ، لحظة لمن يحاول شن هجوم مسنن علي " من المستحيل أن تري أنت مشكلتي – او مرضي النفسي – من منظوري فأنا وإن كان ما أقوله يحمل لون قاتم فهو – بالضبط – ما يعشش بداخلي منذ أن اكتشفت حقيقتي هذه بين عيون من تسمونهم ... بشر "

لا احد كامل " الكل يقول هذا وان كان هناك من يسعون للكمال فالكمال صفة ربوبية لا يمكن أن يتسم بها مخلوق فنقصان البشر سعي ، سعي للإله ولتوحيده وعبادته حتي تصل لدرجة لا أقول فيها كمال ولكن فيها اقتراب من غاية ، وهذا ما نسمعه دائما بين البشر فقط نسمعه فقط يقال ..

عندما ولِدتُ نظر الطبيب إلي وقال " أهلا ... فتاة سمينة " ، ثم تناولتني أمي قائلة " اوه ... فتاة ثقيلة " ثم رفض الجميع حملي ، وأنا لم أدرك ماذا بهم ! كبرت ككيان إنساني لا اشعر مطلقاً بداخلي بهذا الفارق المهول بيني وبين البشر ! فلم يظهر لي يوماً قرن او قرنان ، او لم يؤلمني – ذيلي – يوم ..!
ولكني سمينة بشهادة الشهود ، وكان يجب توقيفي من قبل المختصين ، حين نزحت للتعلم كان يراني الجميع كائن مهول ضخم ، لدرجة أن مدير المدرسة " الموقر " تخيل أنني ألتهم طعام زملائي مسبقاً لا والأكيد أنه تشكي مني ... وكان مصير مؤلم

وحينها علمت أنني ولدت بصحيفة سوابق ممتلئة عن أخرها بتهم ملخصها " أنني سمينة "
تهمتي هذه يا سيدي بدأت علي يد من هم يمتهنون " التربية والتعليم " بدأت مع من يطلقون عليهم اسم " معلم " وياللعجب علي تربيتهم وتعليمهم ، انطلقت تلك التربية تُعمر وتبني بداخلي ، منبوذة .. أنطوائية .. جبانة .. و

بدأت المعاناة الفعلية مع سن بلوغي ووصولي لمرحلة التمييز الأنثوي ، تنشغل بإظهار أي مفتن لإرضاء كيانها ، وأم تنشغل بمحاولات إنقاص وزن أبنتها – الدائمة - وأي فتاة في مرحلة المراهقة وبداية البلوغ الفعلي تحاول الاهتمام بشكلها بشكل مكثف فمحاولة إنقاص الوزن بالنسبة لها شئ تكميلي وليس غاية حياتية ملّت من تكرارها واعتيادها وجعلها محور لحياتها منذ البداية ، لذا فكنت أنا المغصوبة علي أداء شئ تناقضة طبيعتي الحالية ، أنا لا أريد أن أصادق عجوزات سمينات من اثر الزمن عليهن ، لا أريد أن يكون محور حياتي الجيم والرجيم والفاكهة والسلاطة وخلافة
أريد أن أكون كباقي الفتيات ، وهنا عرفت يا سيدي أنني لستُ كباقي الفتيات ...!!

الأربعاء، 12 أغسطس 2009

في المترو ...


في المترو ...



تعشق المترو لذلك ، كلما رفعت يدها ممسكة بطرف العمود الحديدي الراسخ أمامها محاولة التشبث بخيط أفكارها وذاتها ، تعشق المترو لأنه المكان الوحيد التي تختلي فيه بها ، فتسألها وتعيشِها وتعيشُ معها في تلك الحالة المحببة لها دائما ، تحلم وتبني وتضحك وتبكي ، تفعّل الأحلام دائما في المضارع فالماضي رث الثياب في أحلامها والمستقبل ، المستقبل في نظرة العين تلك .. تراه وتبتسم بداخلها محضتنة كتابها التي تلهو بقرائته دائما في المترو ..
تخلع عينها بعيدا عن العمود الحديدي لتراشقه بنظرة تسبح فيها بداخله ، باحثة عن بداية حلم ما ، حلم أبطاله ورقة وقلم وعين تحاصر مفاتنها ، حلم يعيش علي دقات موسيقي ولمسة يد لاهثة من ركضة الملاحقة ، حلم يمتزج دائما في حديث العيون
تعشق المترو لأنة المكان الوحيد الذي تختلي بأبطال أحلامها المختلفين دوما في كل حلم ولا يحاسبها أبدا من اغتصب حق المحاسبة ، إنها فقط أحلام ...

تقف دائما في هذه الزاوية القريبة من الباب الخلفي حيث تري كل الوجوه ، وجوه تشبه من اعتادتهم ، في البيت ، في المكتبة ، في شارعها ، وجوه وأماكن ألفت تحطيمهم لأحلامها إلا المترو هنا كل الأحلام مباحة ، هنا لن يقفل علي حلمها أي باب ، هنا تذهب للمكتبة كاتبة وليست عاملة ، هنا انبهارهم بصوتها وأدائها ، هنا حلم الفرصة والشهرة والمجد ، هنا أب وأم يقدرونها ويعتنون بموهبتها ، هنا أخ يصادقها ويسمح ببعض الأحلام ...

هنا اقتراب المحطة الأخيرة ، تتشبث جيداً بعامودها الحديدي ، تترنح أحلامها من هول النهاية ، تخبو مستسلمة للوجوه المتشابهة ، لشارعها ، للمكتبة ،... للبيت



الأحد، 2 أغسطس 2009

رسالة من مريضة نفسياً إلي طبيب نفسي

رسالة من مريضة نفسياً إلي طبيب نفسي

بعد التحية



أنا يا سيدي مريضة نفسياً ، لا تتعجب من كوني اعترف مسبقاً بأنني اعاني مرضاً نفسياً فأنا ما راسلتك إلا بغرض العلاج أهناك كثيرون مثلي سيدي؟ ومن يأتيك وفيما يبتغي؟ اشعر بأنني أعيش في مصحة نفسية كبيرة لكن تلك المصحة لا تخرج أصحاء بل تزيدهم مرضا ، اسمي سيدي لن يفرق كثيراً فهو مدون في كل –روشتة – علاج كتبتها ولأنني لا املك ثمن لعلاج قد تكتبه لي .. ولأنني لا اخشي مقابلتك في عيادة – حضراتكم – الخاصة ولكن يخشى جيبي أني لا املك – مقاما مادياً – لفيزيتة قد يطلبها سكرتيرك سيدي ..
لذا هذا هو السبيل الوحيد الذي استجمعت قواي ومكوناتي النفسية المتضاربة المتناقضة واستخدمت جزء من جرأتي المفقودة للتحدث لا بل البوح بمجموعة من ذكرياتي التي تحمل مؤشرات داخليه بمرض نفسي حدث بالفعل .. بل هي مجموعة أمراض نفسية ..

من أين ابدأ؟ اعلم أن وقتك سيدي مشحون بالكثير فلو نحن في بلد غير تلك ولو أن – فيزيتة – سيادتكم اقل نسبياً لكان الإقبال علي تخصصكم في كليات الطب مشحوناً ، إلا أن التميز في المجال ضعيف نسيبا – وهذا المعتاد – والمتميز في المجال زاهداً في أمثالي ..

لكن حقيقة ما يشغلني الآن البداية فالبداية دائما هي البداية .. عذراً اقصد أنها البداية لكل مشكلة او معضلة او آفة مرضية وأنا البداية عندي مكثفة ومليئة وعفواً رغم دراستي في مجال علم النفس – فأنا اعترف زهواً – أني غير متعمقة من موقعي هذا – المرضي اقصد – فقد افتقد لمصطلحات او اشرح بشكل قد يثير في نفسكم والقارئ السخرية ، فقد أكون مدعية ثقافة او ساعية للتفاخر وأيضا ومن الممكن والمحتمل أن أكون ساعية للشهرة والمجد علي زيف وخلط الـ... عفواً عفواً بعض الأمراض الأخرى وما تصنيفها يا تري؟ أمراض اجتماعية ؟
لا عليك المهم أن تؤتي الرسالة ثمارها حتي وإن بقيت بعض الثمار لتتخمر ..

الخوف سيدي الخوف .. وما أدراك ما الخوف .. هل شعرت بالخوف مرة سيدي؟ هل تعمقت في هذا الشعور في سن مبكر ؟ مثلا ست سنوات ، لالا بل أربع لا قل ثلاث .. اثنان !!!
أتذكر أول مرة شعرت بأن علي أن أخاف هو لم يكن قرار صدر في ثنايا مشاعري ولكن وللعجب هو شعور تلقائي ، عندما لا تفهم شيئا سوي أن هناك أفعالا غريبة تصدر من أناس هم مكونات حياتك ، لا تفهم سوي ان كلاماً خرج يؤذيك ، آلام تراها .. ثم تستشعرها في عيون من خرجت – أنت – منهم ، لا تفهم لست أهل للفهم أصلا ، تنتظر أنت دورك .. هنا يحين في كل مرة
في كل مرة فتاة صغيرة تجلس خائفة حتي وإن كانت لا تعرف اسماً لشعورها هذا ، في كل مرة فتاة صغيرة تجلس لتلعب مع الرفقاء في الحديقة وتلهو مع " يوسف " صديق الطفولة ، فيكون الجزاء بوابل السباب والخرطوم المثعبن ، تبكي وتنتظر الوعيد ..

وهذا الحال دام ، اعتدت سماع السباب ، واعتدت اللوم علي اللا شئ ، لوم من؟ لوم نفسي بكل تأكيد
فنحن الفئران سيدي دوما ما نلوم أنفسنا ان القطط تأكلنا ، او ان القدر وضعنا في طريقها فينزف ذيلنا ونلقي مرتعدي في نقطة سوداء ، وإذا ما مر فأر صديق بها ... نرتعد خوفاً لظلاله

الخوف من ضرب المربوط سيدي – وإن كنا جميعا مرابيط – جعل الحياة بشق الحائط أمان ، جعلني افتقر وأنا في شق حائط للأمان..
أعلم انك تراني اهذي سيدي لكن أنا اتخذت القرار ذاته ، من فترة قررت أن لا اسكت أبدا ولكن ماذا أقول؟ أنمق كلمات واسجعها ثم ألقيها في وجوههم فلن يفهموها ، فأتركهم وانعتهم بالجهلاء الظالمين الحاقدين المنصفين للتعنت والرجعية ، ثم أرجع أنادي بما قد ينادوا بيه .. الغريب أنهم ينحازون إلي ، كبير يخشى أكبر وصغير يخشاهم جميعا ً..!!
أرهقني التفكير وأرهقتني الكتابة وأرهقني تذكر مأساتي ، رسالتي القادمة حتما ستحمل بعضاً مما يصدع رأسك دائما سيدي

استسمحك ألا تتهاون من كلام فتاة عجوز مثلي .. فتلك فقط البداية